لأسباب متعددة وصف الأطباء الأمريكي دان جروليتش بأنه “الرجل المعجزة”، فعلى مدار عشرة أعوام خاض الرجل المسؤول التنفيذي في شركة تأمين صراعا مع الموت ليس مرة واحدة ولكن اثنتين في انتظار زرع أعضاء تالفة.
وفي المرتين وصل جروليتش إلى صدارة قائمة الانتظار لزراعة أعضاء متقدما على آلاف غيره من المرضى الذين يصارعون الموت. وبعد عملية زرع ثانية للكبد والكلى معا في مطلع عام 2012 بعثت زوجته راي برسالة إلى أسرة المتبرع قالت فيها “لم تنقذ رجلا فقط ولكنك أنقذت أسرة”.
لكن وبعد أقل من ثلاثة أسابيع من النقاهة في المركز الطبي بجامعة كاليفورنيا- لوس انجليس، أصيب الرجل بعدوى مقاومة للمضادات الحيوية وهو خطر شائع وغالبا ما يكون فتاكا بالنسبة للمرضى داخل المستشفيات.
وخلال خمسة أشهر تالية وبحسب آلاف الصفحات من التقارير الطبية، أصيب جروليتش بأكثر من ستة أنواع مختلفة من “البكتريا القوية” وأغلبها سلالات تظهر داخل المنشآت الطبية بشكل حصري تقريبا، ولم يملك جروليتش سبيلا لمقاومة البكتريا نظرا لما أخذه من أدوية لإخضاع جهاز المناعة حتى لا يرفض العضو الجديد المزروع.
وعندما فشلت المضادات الحيوية الاعتيادية في القضاء على البكتريا تلقى الرجل عددا كبيرا من البدائل وصل عددها في بعض الأحيان إلى ستة في اليوم الواحد وكان لبعضها آثار جانبية مزعجة منها فقدان السمع والألم الشديد والغثيان، وظلت العدوى رغم ذلك تتوالى.
وضع جروليتش في وحدة رعاية فائقة وخضع مرارا لتهوية ميكانيكية وهي نفسها مصدر للعدوى وغاب عن الوعي أكثر من مرة وقرر الأطباء إخراجه مرة أخرى بحثا عن سبب المشكلة، وفي بعض المراحل درسوا وضعه مجددا على قائمة زراعة الأعضاء لكن إذا نجحوا في القضاء على العدوى.
ولم ينجح الأطباء وتوفي جروليتش في 30 يونيو 2012 عن 64 عاما ليصبح واحدا من عشرات الآلاف من ضحايا “البكتريا المقاومة للعقاقير” بالولايات المتحدة والذين لا تتابع وكالات الصحة العامة أنواع العدوى التي أصيبوا بها وأسباب وفاتهم.
والوفيات المرتبطة بأنواع عدوى مقاومة للأدوية لا تسجل في الغالب في شهادات الوفاة، وذكرت شهادة وفاة جروليتش أن سبب وفاته هو “اضطراب النظم القلبي” أو اضطراب ضربات القلب.
ولم يتضح كيف انتقلت البكتريا القوية إلى جروليتش، قالت المستشفى “نعالج الكثير من المرضى الذين يرقدون في حالات شديدة الخطورة تحتاج رعاية مكثفة ولدينا إجراءات تفصيلية وبروتوكولات قائمة لمنع ورصد والقضاء على العدوى”.
وبخلاف الأعضاء السليمة التي أتلفتها البكتريا، زادت العدوى التي أصيب بها جروليتش من فاتورة علاج هذه الأنواع من العدوى على مستوى البلاد، وأظهرت سجلات أنه منذ دخوله المركز الطبي في ديسمبر 2011 وحتى وفاته بعدها بسبعة أشهر بلغت نفقات دان جروليتش 5.7 مليون دولار.
ويصعب فصل المبلغ الذي ذهب في إجراءات زرع الأعضاء عن المبالغ التي صرفت في علاج البكتريا المقاومة للأدوية.
رقم مضلل
يعيق نقص البيانات الموثوقة أي جهد لحساب تكاليف علاج عدوى البكتريا المقاومة للعقاقير في القطاع الصحي الأمريكي، وكانت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها قالت في دراسة عام 2009، إن التكلفة السنوية الناجمة عن البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية تتجاوز 20 مليار دولار.
وأجرت رويترز تحليلها الخاص للوقوف على التكاليف الناجمة عن البكتريا المقاومة للأدوية واستعانت ببيانات من وكالة أبحاث الرعاية الصحية والجودة الاتحادية في عام 2013 وشمل الملايين من السجلات المرتبطة بعدوى نوعين من البكتريا المقاومة للعقاقير وهي ما تسمى بالبكتريا العنقودية الذهبية “إم.آر.إس.إيه” والبكتريا المطثية العسيرة.
وجدت الدراسة أن عدوى واحدة يمكن أن تضيف آلاف الدولارات إلى تكلفة علاج مريض داخل مستشفى. ويبلغ متوسط ما تسببه البكتريا العنقودية الذهبية نحو 11 ألف دولار للمريض المقيم في مستشفى بينما تضيف البكتريا المطثية نحو 5200 دولار.
ووجدت رويترز أن النوعين زادا التكاليف بنحو ستة مليارات دولار في المستشفيات بأنحاء الولايات المتحدة عام 2013.
وبالنسبة لفاتورة دان جروليتش البالغة 5.7 مليون دولار، قالت أرملته راي إنهما دفعا عشرة آلاف دولار فقط بينما غطت شركة التأمين باقي المبلغ.
مخاطر حديثة
التقدم الطبي الحديث الذي يشمل عمليات زرع أعضاء معقدة وعلاج بالعقاقير والأجهزة الطبية ومنها أجهزة غسل الكلى تنقذ حياة الكثير من الناس لكن اللجوء لها له تكلفة، فهي تترك الكثير من الناس وخاصة مرضى السرطان وفيروس “إتش.آي.في” المسبب للإيدز وأي شخص يعاني من ضعف في الجهاز المناعي عرضة للبكتريا على نحو خاص.
وفي نفس الوقت، فإن الكثير من البكتريا التي نشأت في المستشفيات التي يوجد بها هؤلاء المرضى طورت مقاومتها للعقاقير.
وكان جروليتش هدفا مثاليا إذ يأخذ مرضى زراعة الأعضاء عقاقير بقية حياتهم تخضع الجهاز المناعي حتى لا “يلفظ” العضو الجديد.