كطفل في يومه المدرسي الأول، وقف الشاب راضي يبكي عندما أدارت والدتها ظهرها عائدة إلى البيت بعد أن أودعته المركز الوطني لتأهيل المدمنين، يتذكر أن والدته بكت أيضاً حينها، كانت لحظة عصيبة، يقول " لن أنساها أبداً".
يستذكر راضي (25 سنه) – أسم مستعار- وقد مضى عليه أسبوعين من رحلة العلاج المقررة لمدة شهرين كاملين، مشاهد من حياته كمدمن على مادة "الجوكر"، يتمنى أن لا تعود تلك الأيام، "أيام صعبة، تسببت فيها بالأذى لأهلي"، يقول وقد عجز عن كبح جماح دموعه.
قبل يوم من دخوله للمركز، كاد تحت تأثير جرعة "جوكر" أن يخنق والده، يروي " كنت أتعاطي الجوكر في غرفتي عندما دخل والدي إلى الغرفة، لم أنتظر أن يقول كلمة واحدة، صرخت بوجهة وطردته من غرفتي"، تتابع راضي " أصبت بتشنج أتذكر أن الزبد خرج من فمي، وأخر ما أتذكره من تلك الليلة أنني كنت أخنق والدي بيدي، بينما كانت والدتي تبكي وهي تحاول أبعادي".
تلك الجرعة الزائدة يؤكد أنها نهاية ثلاث سنوات من رحلة الإدمان على الجوكر، سبقتها سنوات خمس من تعاطي الحشيش والمشروبات الكحولية، فقد حزم أمره أن لا يعود إلى ما كان عليه من إدمان، يقول " دمرت حياتي، وتسبب بالمشاكل لعائلتي، وأصبحت منبوذاً بين الناس أريد أن أبدأ حياة جديدة".
يحفز راضي على قراره معرفته أن جرعة زائدة من الجوكر تسببت بوفاة والد صديقة بعد أيام قليلة من دخول للعلاج.
قبل دخوله إلى المركز كان مصير راضي يتراوح بين الموت بجرعة زائدة أو السجن في حال قبض عليه متعاطياً، لكن اليوم ينعم بالعلاج دون أن يتعرض للمساءلة.
قانون المخدرات المؤثرات العقلية ينص، أنه " لا تقام دعوى الحق العام على من يتعاطي المواد المخدرة والمؤثرات العقلية إذا تقدم قبل أن يتم ضبطه من تلقاء نفسه أو بوساطة أحد أقرباءه إلى المراكز المتخصصة للمعالجة التابعة لأي جهة رسمية أو إلي إدارة مكافحة المخدرات أو أي مركز أمني طالباً معالجته".
وأدرجت إدارة مكافحة المخدرات في العام 2013 مادة "الجوكر" على قائمة المخدرات، ومنذها أصبح يعاقب على ترويجه والاتجار فيه وتعاطيه.
يقول مدير المركز الوطني لتأهيل المدمنين جمال العناني " كل من دخل المركز بإرادته أو إرادته أهله، يكون محمياً بالكامل من المساءلة والعقوبة"، ويوضح تفاصيل العلاج يخضع له المدمنين " مدة الإقامة داخل المركز شهرين، في البداية نقوم بإزالة السمية وصولاً إلى الفطام الكامل عن المادة المخدرة، وبعدها يعالج المدمن من الأعراض الانسحابية، أما المرحلة الأخيرة فهي تأهيله النفسي والروحي".
وتختص محكمة أمن الدولة بالنظر في قضايا المخدرات، وتشير أرقام شبه رسمية حصلت عليها " رؤيا" أن المحكمة أصدرت منذ مطلع العام الجاري وحتى نهاية أكتوبر الماضي 150 آلف قرار حكم في قضايا مخدرات.
ويحدد القانون العقوبات على مدمني المخدرات و المروجين و التجار بـ " الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن ألف دينار ولا تزيد على ثلاثة ألاف دينار "، فيما يتيح القانون للمتعاطي للمرة الأولى الإفلات من القيد الجرمي دون أن يفلت من العقوبة.
يحذر العناني من التجربة الأولى، يقول " قد يموت الإنسان من التجربة الأولى، وقد تحوله إلى مدمن"، هذا ما حدث مع رشيد (22 سنة) – أسم مستعار-، عندما دفعة حب التجربة إلى تدخين الحشيش يوم حفلة نجاحه في امتحان الثانوية العامة (التوجيهي).
كأنه الأمس، يتذكر " أعطاني صديقي سيجارة حشيش كنت سعيد بنجاحي بالتوجيهي، جربتها، وبعدها كررت التجربة، لأصبح مدمن".
التحق رشيد بالجامعة لدراسة علم الحاسوب الذي كان حلمه، لكنه حلم دمر/ أعاق تحقيقه الإدمان على الحشيش والذي قادة أخيراً إلى "الجوكر"، لماذا الجوكر، يجب " ثمنه أقل، ومتوفر بشكل أكبر"، لكن ذلك رغم علمه أنه مادة سامة، يصفها رشيد " الشيطانية".
يمضي الشاب الحالم بالعودة إلى جامعته فترة العلاج داخل المركز، بناءً على رغبته وبعد أن "قرفت من حالي" كما يقول، أحضرته أسرته لتلقي العلاج.
يبين العناني العوارض الجسدية والعصبية والسلوكية والنفسية التي تشير إلى متعاطي الجوكر، وهي " رجفة في أطراف الجسم، حركة زائدة مع عدم اتزان، احمرار العيون، تقيؤ أحياناً دموي، غيبوبة مصحوبة بخروج زبد من الفم، عصبية زائدة تؤدي إلى إذاء النفس والآخرين، الكذب، السرقة، هلاوس تؤدي إلى فقدان الاتصال مع الآخرين".
ومادة الجوكر، حشيش صناعي ظهر في الأسواق العالمية في العام 2000، ووفقاً لإدارة مكافحة المخدرات يوجد منه أكثر من 1200 تركيبة كيمائية على مستوى العالم، ويحمل أسماء مختلفة من أشهرها " الجوكر".