بعد أن حُزمت الانتخابات الرئاسية الأمريكية من خلف الأطلسي ، لصالح الرئيس الأمريكي الجديد الجمهوري "دونالد ترامب"، السؤال هنا هل سُيحدث هذا الانتقال للسلطة من الحزب الديموقراطي إلى الحزب الجمهوري تحولًا كبيرًا في السياسة الخارجية الأمريكية، أم أننا سنشهد استمرارً لنهج سابق؟.
الحزب الجمهوري يميل للقوة العسكرية
يسجل للحزب الجمهوري الأمريكي تاريخًا متخمًا بالتدخلات العسكرية الخارجية، خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، ويعود هذا الميل في شن الحروب إلى هيمنة تيار المحافظين الجدد على أفكار الحزب، ومقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية خلال سنوات حكم الجمهوريين، ابتداءً بالرئيس ريغان وانتهاءً بالرئيس بوش الإبن، وبوش الأب بينهما فعقيدة المحافظين الجدد تتجلى بشكل واضح في محاولات الإدارات الجمهورية بفرض إرادتها على الدول والشعوب الأخرى بالقوة العسكرية.
مقابل سياسات الحزب الجمهوري الواضحة المعالم، يقف الحزب الديموقراطي شكلًا على النقيض، فالديموقراطيون، الذين يمثلون مصالح الكارتيلات الصناعية غير الحربية، كما الجمهوريين يسعون إلى فرض هيمنتهم على إرادات الدول والشعوب الأخرى، لكن بوسائل أخرى، لعل من أبرزها دبلوماسية العصا والجزرة، واستخدام مخالب، يعمل أصحابها في أرجاء الأرض كافة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
الجمهوريون يؤكدون على دور الأسواق الحرة والإنجاز الفردي وعلى أنها العوامل الأساسية وراء الازدهار الاقتصادي، ولهذا تحبذ سياسة الحزب عدم التدخل بالاقتصاد وتعمل على تعزيز المسؤولية الشخصية على برامج الرعاية الاجتماعية.
ولكن الثابت من قراءة التاريخ الأمريكي بعيدًا عن مسألة ميل الجمهوريين الى الحروب والتدخلات العسكرية؛ أن كل رئيس أمريكي يسعى الى ان يترك بصمة في كتاب الرؤساء بمغامرة عسكرية أو حرب تترك علامة في تاريخه داخل اروقة البيت الأبيض .
رؤساء الجمهوريين خلال العقود الثلاثة الاخيرة
الرؤساء الجمهوريين الثلاثة خلال العقود الثلاثة الأخيرة، بداية من رونالد ريجان بفترتين رئاسيتين ومرورًا بجورج بوش الأب بفترة رئاسية واحدة، ثم بعد فترتين رئاسيتين للديموقراطيين، عاد الجمهوريون بفترتين رئاسيتين لجورج بوش الابن.
ريجان هو الرئيس الأربعون للولايات المتحدة الأمريكية دخل البيت الأبيض في بداية الثمانينيات ليبدأ فترة رئاسته الأولى، إلا أنه وفي نهاية ولايته الأولى وبداية ولايته الثانية شن ريجان حملتين عسكريتين على لبنان وليبيا، فكان التدخل العسكري المباشر نصيب الأولى، بينما القصف الجوي من نصيب الثانية.
وفي آذار عام 1986 توغلت البحرية الأمريكية مسافة 12 ميلًا بحريًا داخل المياه الإقليمية الليبية، وأرسلت حاملة طائرات إلى هناك للقيام بمناورات عسكرية، الرد الليبي على المناورات الأمريكية لم يرضي الأمريكان، ما أدى إلى أحداث خليج سرت، وبعد أقل من أسبوعين، في الخامس من نيسان، انفجرت قنبلة في ديسكو في مدينة برلين الألمانية، ما أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين، وامرأة تركية، وجرح 22 آخرين.
وفي 15 نيسان من الشهر نفسه شنت 66 طائرة أمريكية، انطلق بعضها من قواعد بريطانية، غارات قصفت فيها أهدافًا في العاصمة الليبية، وبرر ريجان حينها الهجوم باتهام ليبيا بالمسؤولية المباشرة عن الإرهاب الموجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية والشعب الأمريكي.
جورج بوش الأب هو الرئيس الواحد والأربعون، وواحد من الرؤساء القلائل للولايات المتحدة الأمريكية الذي يفوز بولاية واحدة من الفترة 1989 إلى 1993. قاد الرئيس بوش الأب تحالفًا من ثلاثين دولة في حرب ضد العراق، فيما سُمي بـ "حرب الخليج الأولى" بدعوى تحرير الكويت.
وقد نتج عن هذه الحرب وفاة مائة وثمانية وأربعون جندي أمريكي، وإصابة أربعمائة وسبعة وستون من حوالي خمسمائة وواحد وأربعين ألف جندي أمريكي، شاركوا في العمليات، كما تحطمت ستة وسبعون طائرة أمريكية.
بوش الأب أصدر قبل انتهاء ولايته أمرًا للقوات الأميركية بالتواجد بأعداد كبيرة في الصومال، بدعوى إعادة الأمل، وتأمين الغذاء للشعب الصومالي وللأطفال الجوعى. غير أن القوات الأميركية خسرت 18 جنديًا، الأمر الذي أثر على شعبية بوش، التي كانت قد تعرضت للهبوط بسبب المعاناة الاقتصادية التي تسببت فيها سياساته الاقتصادي، فقرر الانسحاب من الصومال.
جورج بوش هو ابن الرئيس الأميركي الواحد والأربعين، صُنفت فترة إدارة حكم الرئيس جورج بوش الابن بأنها من أسوأ فترات الحكم في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب الحروب الكثيرة التي خاضتها الولايات المتحدة خارج أراضيها، التي استنزفت الكثير من الموارد الاقتصادية، وأضرت بالاقتصاد الأمريكي، مُسببة الأزمة الاقتصادية العالمية.
إدارة بوش الابن اهتمت بالحرب على الإرهاب ،وبالصراعات المُسلحة على حساب المشاكل الداخلية للمواطن الأمريكي، لكن أبرز ما تعرضت له الولايات المتحدة في عهده، هو أكبر هجوم في تاريخها، حينما تم تفجير برجي مركز التجارة العالمي، وجزءً من مبنى البنتاغون في أيلول من عام 2001 واتهمت إدارة بوش تنظيم القاعدة، الذي يتزعمه أسامة بن لادن بالوقوف وراء الهجوم.
ووجهت أمريكا آلتها العسكرية إلى أفغانستان، ووافق الكونغرس ومجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع، وبسرعة فائقة على منح الرئيس الأمريكي بوش الابن 40 مليار دولار لحملة الحرب على الإرهاب، والأخطر من حرب بوش الابن على الإرهاب في أفغانستان، الحرب على العراق عام 2003، واحتلالها، والتسبب بمقتل ما يقرب من مليون عراقي، وتشريد ملايين أخرى من الشعب العراقي، والتسبب بكوارث كثيرة ما زال العراقيون إلى اليوم يعانون منها.
عودة الجمهوريون ماذا تخبأ ؟
بعد ثمان سنوات من حكم الديموقراطيين، الجمهوريون عائدون بفوز دونالد ترامب، فهل يعودون على ظهور الدبابات ومتن السفن الحربية، ويشنون حروبًا جديدة، قد تنال بلادنا العربية نصيب الأسد منها، أم أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الولايات المتحدة الأمريكية ستلجم شره الجمهوريين الحربي؟.