وجد اليمني عبدالله سرحان نفسه مضطرا لبيع اثاث منزله لتأمين قوت عائلته، بعدما بات هذا الموظف الحكومي، مثل الآلاف غيره من سكان صنعاء، محروما من اي راتب منذ شهرين على الاقل.
واضيف الى آثار الحرب المتواصلة في صنعاء منذ 19 شهرا والوضع الانساني المتهدور، الحرمان من الرواتب منذ قرار حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعوم من التحالف العربي بقيادة السعودية، نقل مقر المصرف المركزي الى عدن في ايلول/سبتمبر الماضي.
وانعكس قرار نقل المصرف الى "العاصمة الموقتة"، سلبا على الموظفين والمتقاعدين والفقراء الذين كانوا يحصلون على معونات مالية، في صنعاء ومناطق اخرى يسيطر عليها الحوثيون وحلفاؤهم الموالون للرئيس السابق علي عبدالله صالح.
ويعني قرار نقل المصرف، قطع اي امدادات جديدة عن مقر المصرف في صنعاء او التعامل بينه وبين اطراف ومؤسسات مالية دولية.
ويقول سرحان لوكالة فرانس برس "قررت بيع جزء من أثاث منزلي كي أستطيع شراء بعض المواد الغذائية لأسرتي".
وليست حال الموظف الحكومي ابراهيم احمد بأفضل من ذلك بعد ان اضطر وعائلته للانتقال الى منزل والده في ريف صنعاء.
ويوضح "لا يوجد لدينا ما نأكل فيكف نستطيع توفير ايجار المنزل" في العاصمة التي يسيطر عليها المتمردون منذ ايلول/سبتمبر 2014.
وفي ظل هذا الواقع، اضطر العديد من الموظفين لترك وظائفهم والبحث عن مصادر رزق غير مرتبطة برواتب وظائفهم الحكومية.
فاستاذ الفلسفة في جامعة صنعاء جميل عون هجر مهنته وبات يعمل في مصنع لحجارة البناء، وزميله استاذ علم الاجتماع عبدالله مهمر الحكيمي ترك قاعات التدريس، ولجأ لبيع القات.
وكتب الحكيمي عبر "فيسبوك"، "بيع القات (...) أشرف من مد اليد، او غسلها بدماء الغير"، معللا خطوته بعدم استعداده ترك ابنائه "يتضورون جوعا بسبب حرب عبثية قذرة أكلت الأخضر واليابس".
ويشهد اليمن منذ اكثر من عامين نزاعا داميا، بدأ بسيطرة المتمردين على العاصمة، وازداد حدة مع بدء التحالف بقيادة السعودية عملياته دعما للقوات الحكومية نهاية آذار/مارس 2015.
وادى النزاع المتواصل الى انهيار متدرج في اقتصاد البلاد التي تعد من الافقر في العالم العربي حتى قبل اندلاع حربها الاخيرة.
- خطر المجاعة -
ويرى رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي اليمني مصطفى نصر ان موضوع الرواتب "هو من اخطر المواضيع التي تمس حياة أكثر من سبعة إلى ثمانية ملايين يمني وهي آخر الأمور التي تربط الموظفين بالدولة وبالتالي توقف المرتبات يشكل خطورة لجهة أنه سيضاعف من حدة الفقر ويزيد من عدد الفقراء".
ويدعو نصر الى "تدارك هذا الأمر وإعطاء هذه المسألة عناية خاصة سواء كان من قبل الحكومة أو من قبل سلطة الأمر الواقع" في اشارة للمتمردين، معتبرا ان ازمة السيولة تسبق قرار نقل المصرف المركزي.
يضيف "حتى ولو لم يتخذ قرار نقل البنك لن تستطيع جماعة الحوثي أن تدفع المرتبات كما كانت في السابق".
وتتهم حكومة هادي المتمردين بسحب ما يصل الى 1,8 مليار دولار من احتياطات المصرف لغرض التمويل الحربي. كما افاد تقرير لجنة خبراء تابعة للامم المتحدة، ان المتمردين كانوا يسحبون ما يصل الى 100 مليون دولار من المصرف شهريا، وان احتياطه تراجع من اربعة مليارات دولار في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، الى 1,3 مليار دولار.
ويحذر الخبير الاقتصادي سعيد عبد المؤمن من ان "انعدام البديل" لغياب رواتب الموظفين الحكوميين، ومنهم العسكريون، والمتقاعدين هو مشكلة "سيترتب عليها ركود اقتصادي خطير وبالتالي انهيار كامل وفوضى عارمة وقد ﻻ يطول الوقت كثيرا" قبل وقوعها.
وتفاقم قضية الرواتب، الازمة الانسانية المستفحلة. وبحسب ارقام الامم المتحدة، قتل في النزاع منذ آذار/مارس 2015، ما يناهز 6900 شخص، وهجر اكثر من ثلاثة ملايين.
وحذر برنامج الاغذية العالمي الثلاثاء من "تدهور وضع الامن الغذائي وتزايد معدلات سوء التغذية لدى الاطفال في اليمن".
وقال المدير الاقليمي للبرنامج في الشرق الاوسط وشمال افريقيا مهند هادي "يزداد الجوع كل يوم وقد استنفد الناس كل ما لديهم من استراتيجيات للبقاء. هناك الملايين لا يمكنهم البقاء على قيد الحياة دون الحصول على مساعدات خارجية".
ويخشى البرنامج التابع للامم المتحدة من ان "جيلا كاملا يمكن أن يصاب بالعجز بسبب الجوع"، مشيرا الى حاجته "إلى ما يزيد على 257 مليون دولار أميركي لتوفير المساعدات الغذائية الملحة حتى آذار/مارس 2017".