اتفقت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) على خفض إنتاجها النفطي للمرة الأولى منذ 2008 وسط تنامي الضغوط الناجمة عن هبوط أسعار الخام.
ونقلت وكالات الأنباء عن مصادر في منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) أن أعضاء المنظمة توافقوا خلال اجتماعهم في الجزائر على كبح إنتاج النفط عند 32.5 مليون برميل يوميا من مستواه الحالي الذي يقارب 33.24 مليون برميل يوميا، بما يخفّض الانتاج بواقع 750 ألف برميل يوميا.
وأضافت المصادر أن المنظمة ستتفق على مستويات محددة لإنتاج كل دولة في اجتماعها الرسمي القادم في نوفمبر/ تشرين الثاني.
ونقلت “رويترز” عن مصادر أخرى قولها أنه بعد التوصل إلى مستوى مستهدف ستتجه المنظمة إلى المنتجين خارجها للحصول على دعمهم.
وقد دعمت هذه الأخبار أسواق النفط التي صعدت بارتفاعات صاروخية فاقت 6%.
وقال مصدران في أوبك إن المنظمة قد تعلن اتفاقا لثبيت إنتاج النفط في الجزائر لكن التفاصيل الكاملة لن تعلن قبل الاجتماع الرسمي في نوفمبر / تشرين الثاني، وطلب المصدران عدم الكشف عن هويتهما حيث لم تتوصل أوبك بعد إلى قرار في اجتماعها غير الرسمي بالعاصمة الجزائرية.
وقد أشاعت هذه الأجواء الأمل في أسواق البترول التي إرتفعت أكثر من 2% بعدما كانت فقدت كل مكاسب اليوم بالتزامن مع بدء الاجتماع.
وعلّق مدير أسواق الطاقة لدى “ستراتاس أدفيسورز” ومقرها هيوستون جيف كويجلي بالقول: “لا نعرف بعد حجم إنتاج كل دولة. أريد أن أسمع من فم وزير النفط الإيراني أنه لن يرجع إلى مستوى ما قبل العقوبات… وبالنسبة للسعوديين فإن الأمر يتعارض منطقيا مع ما يقولونه”.
وقبيل بدء الاجتماع، قال وزير النفط القطري للاعلاميين إن استعادة السوق توازنها تستغرق فترة أطول من المتوقع.
إيران: لا نحتاج وسيطا مع السعودية
وكان ظهر موقف لوزير النفط الإيراني بيجن زنغنه خلال اليوم أظهر فيه ليونة في موقف طهران، بعد التشنجات العنيفة التي ظهرت أمس عندما قال إن إيران والمملكة العربية السعودية لا تحتاجان إلى وسيط في محادثاتهما للتوصل إلى اتفاق من شأنه تعزيز أسعار النفط.
وردا على سؤال حول تصريح لوزير النفط العراقي عن قيام بغداد بالوساطة بين السعودية وإيران نقل الموقع الإلكتروني الرسمي لوزارة
النفط الإيرانية (شانا) عن زنغنه قوله “لا أؤكد (هذه التصريحات)…في سوق النفط لا تحتاج إيران والسعودية إلى وسيط. يمكننا الحديث معا.. وتحدثنا بالفعل.”
وفيما يعوّل البعض على ربع الساعة الأخير لظهور “دخان أبيض” في الأفق، حسمت أسواق النفط نتائج الاجتماع بفقدان مكاسب اليوم في لحظات بدء الاجتماع.
الفالح: المستويات القصوى المعقولة
وكان وزير الطاقة السعودي خالد الفالح قال الثلاثاء إنه ينبغي السماح لإيران ونيجيريا وليبيا بالإنتاج “بالمستويات القصوى المعقولة” في إطار أي اتفاق لتحديد مستوى الإنتاج قد يتوصل إليه خلال اجتماع أوبك المقبل في نوفمبر / تشرين الثاني.
وهذا تحول استراتيجي للرياض التي قالت في السابق إنها ستخفض الإنتاج فقط في حالة قيام الدول الأعضاء في أوبك والمنتجين المستقلين بالمثل.
وكانت طهران تطالب الثلاثاء باستثناء من تثبيت مستوى الإنتاج لأن إنتاجها مازال يتعافى بعد رفع العقوبات الغربية التي كانت مفروضة عليها.
ويعتمد الاقتصادان السعودي والإيراني بكثافة على النفط لكن في فترة ما بعد رفع العقوبات تواجه إيران ضغوطا أقل من هبوط أسعار النفط للنصف تقريبا منذ عام 2014 وربما ينمو اقتصادها نحو 4% هذا العام بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.
وفي المقابل تواجه الرياض عجزا قياسيا في الميزانية للعام الثاني بعد عجز ضخم بلغ 98 مليار دولار العام الماضي إضافة إلى جمود اقتصادي مما اضطرها لخفض رواتب موظفي الحكومة.
وقال مصدر في أوبك من إحدى الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط عند سؤاله بشأن تغير الموقف السعودي: “هل يشير خفض الرواتب إلى استعداد السعوديين لمعركة أم إلى استعدادهم لتوقيع اتفاق”.
والسعودية هي أكبر منتج للنفط داخل أوبك حيث يتجاوز إنتاجها 10.7 ملايين برميل يوميا مما يضعها على قدم المساواة مع روسيا والولايات
المتحدة. وهؤلاء هم أكبر ثلاثة منتجين للخام في العالم ويستخرجون معا ثلث النفط العالمي.
وتوقف إنتاج النفط في إيران عند 3.6 مليون برميل يوميا في الشهور الثلاثة الماضية مقتربا من مستوى ما قبل فرض العقوبات لكن طهران قالت إنها تريد رفع الإنتاج إلى ما يتجاوز أربعة ملايين برميل يوميا عندما تبدأ الاستثمارات الأجنبية في حقولها النفطية.
وانخفضت إيرادات السعودية النفطية نحو النصف على مدى العامين الأخيرين وهو ما دفع الرياض إلى تسييل أصول خارجية بمليارات الدولارات شهريا لدفع الفواتير وقامت أيضا بخفض دعم الوقود والكهرباء في العام الماضي.
“الرفاهية ومواجهة الضغوط”
وبحسب كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط لدى بنك الاستثمار “في.تي.بي كابيتال” رضا أغا “فإن استمرار هبوط أسعار النفط يؤثر اجتماعيا على السعوديين بشكل أكبر من الايرانيين الذين :عاشوت في ظل منظومة اقتصاد كلي صعبة للغاية لسنوات عديدة وليسوا معتادين على السخاء الحكومي – سواء الدعم أو التوظيف أو عقود الإنفاق – الذي يعرفه السعوديون” عل حد تعبيره.
لكن في ظل معدل بطالة في خانة العشرات تواجه إيران مطالبات بتعظيم إيراداتها النفطية ويتعرض رئيسها حسن روحاني لضغوط من خصومه
المحافظين لتسريع وتيرة التعافي الاقتصادي.
ويرى الخبير لدى “اكسترات للاستشارات” في لندن عماد مستقى: “مازالت إيران تعاني من تداعيات العقوبات ومن صعوبة خلق الوظائف
التي تحتاجها ويضاف ذلك إلى المشكلات الهيكلية طويلة الأجل”.
ولا يفي سعر النفط البالغ 45 دولارا للبرميل بمتطلبات موازنات معظم دول أوبك.
لكن محاولات التوصل لاتفاق بشأن مستوى الإنتاج تعقدت بسبب النزاع السياسي بين إيران والسعودية. وكانت وكالات أنباء عالمية نقلت عن مصادر في “اوبك” قبل أيام أنّ السعودية عرضت خفض إنتاجها من الذروة التي وصلها في الصيف عند 10.7 ملايين برميل يوميا إلى نحو 10.2 ملايين برميل يوميا إذا وافقت إيران على تثبيت مستوى الإنتاج بين 3.6 و3.7 ملايين برميل يوميا.